آية خسوف القمر

كتب أمينُ الفتوى في طرابلس وشيخُ قُرّائها بلال بارودي بمناسبةِ آيةِ خسوفِ القمر ليلةَ الخامسَ عشرَ من شهرِ ربيعٍ الأوّل ١٤٤٧هـ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرام، خَلَقَ كلَّ شيءٍ فقدَّرَهُ تقديرًا، وهو القائلُ جلَّ جلالُه:

﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾

والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، الذي جعلَه اللهُ سراجًا منيرًا،
وعلَّمنا التوحيدَ والإيمان، وربطَ القلوبَ بالرَّحيمِ الرَّحمن، رَغبةً ورَهبةً، وخوفًا ورجاءً، ليزدادَ الذين آمنوا إيمانًا، ولتطمئنَّ قلوبُهم في دوحةِ الذِّكرِ والإحسان،
وعلى آلِهِ الأطهار، وصحابتِهِ الأبرار، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أمّا بعد:
ففي هذه الليلةِ سنشهدُ مع عالَمِنا العربيِّ خسوفًا للقمر، وهو آيةٌ من آياتِ الله، جعلها اللهُ تعالى بابًا لتخويفِ عبادِه من جلالِ عظمتِه، وترغيبًا لهم بجمالِ مَنِّه ورحمتِه، فقال تعالى: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾.
وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾.
وقال سبحانه: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾.

وكم هو مُؤسفٌ أن نُعرِضَ عن الآياتِ في زحمةِ الغفلةِ والنسيان، ونحن في أشدِّ الحاجةِ إلى الرجوعِ إلى اللهِ، وإلى رشدِنا ووعينا، وتصحيحِ مسارِنا وتقويمِ مناهجِ حياتِنا.

وهذا بيانٌ لصفةِ صلاةِ الخسوفِ، ودليلِها، وأهميّةِ مراعاتِها:

الأحاديثُ الواردةُ في صلاةِ الكسوف

روى البخاري (1041)، ومسلم (911) – واللفظ له – عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ:
«إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللهُ بِهِمَا عِبَادَهُ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ».

وروى البخاري (1059)، ومسلم (912) عن أبي موسى رضي الله عنه قال:
خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فقام النبي ﷺ فَزِعًا يخشى أن تكونَ الساعةُ، فأتى المسجدَ، فصلّى بأطولِ قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ رأيتُهُ قطُّ يفعله، وقال: «هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ».

صفةُ صلاةِ الكسوف
• أن يُكبِّر للإحرام، ويقرأ دعاءَ الاستفتاح، ثم يستعيذ.
• يقرأ الفاتحة، ثم قراءةً طويلة.
• يركع ركوعًا طويلًا.
• يرفع من الركوع ويقول: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ربَّنا ولك الحمد.
• يقرأ الفاتحة، ثم قراءةً طويلةً دون الأولى.
• يركع ركوعًا طويلًا دون الركوع الأول.
• يرفع من الركوع ويقول: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ربَّنا ولك الحمد، ويقف طويلًا.
• يسجد سجدتين طويلتين، ويُطيل الجلوسَ بينهما.
• ثم يقوم إلى الركعة الثانية فيفعل مثل الأولى، لكن دونها في الطول.
• ثم يتشهد ويُسلِّم.

انظر: المغني لابن قدامة (3/323)، المجموع للنووي (5/48).

الدليل على صفةِ صلاةِ الكسوف

يدلّ على ذلك حديثُ عائشة رضي الله عنها:
روى البخاري (1046)، ومسلم (2129) قالت:
«خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ، وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنَ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، وَهُوَ أَدْنَى مِنَ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ».

خاتمة

وهذه دعوةٌ إلى المساجدِ بإقامةِ هذه الشعيرة، ودعوةٌ للمسلمين أن يُسارِعوا للمشاركةِ فيها كلٌّ في مسجدِ منطقتِه.
ونحن سنقيمُ صلاةَ الخسوفِ في مسجدِ السلام اليومَ عقب صلاةِ العشاء إن شاء الله.
ونرجو التعميمَ والنشر.

واللهُ وليُّ التوفيق.
✍🏻 بلال بارودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top